تكتسي اللغة العربية أهميتها كأي لغة أم لأي مجتمع؛ وتزيد على ذلك بميزات تفضيلية اختصت بها دون غيرها؛
فاللغة العربية تعتبر لغة أم للمجتمع الموريتاني دون استثناء بفعل محوريتها في الدين الإسلامي، فهي اللغة التي أُنزل بها القرآن الكريم، والمجتمع الموريتاني عموما، مجتمع مسلم، مسالم، يتعبد الله بتلاوة القرآن في صلوات اليوم الخمس، أي آناء الليل وأطراف النهار، وفي أوقات التبتل الأخرى، وطبعا لا يوجد في مجتمعنا حسب الظاهر والمعلن إلى اليوم من يقرأ القرآن بغير اللغة العربية، فنحن نختلف عن غيرنا من المجتمعات التي تدفعها ضرورتها اللغوية إلى ترجمة القرآن وتفاسيره وكل ما هو ضروري من نصوص وأمور الدين.
ومن منطلق أن اللغة هي سبيل التواصل والتفاهم الذي يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، وهي الوعاء المنهجي لتمرير الأفكار، وتجسيد المعتقدات، فمن خلالها يمكن تحويل الأفكار من مجرد خيال ذهني إلى واقع عملي ملموس ومحسوس؛ وبها يمكن التعبير عن المشاعر والأحاسيس المختلفة حسب مبتغى الشخص، واللغة هي الميراث الشرعي للثقافة وهي الحاضن الرئيسي للتراث، وثراء اللغة هو نتاج منطقي لثراء الثقافة، ولا يمكن لأجيال الأمة أن تفهم تاريخها أو تستوعب مضامين حضارتها دون فهم وإتقان لغتها، فاللغة هي المرآة الناصعة العاكسة لقيمة الأمة، وكلما زاد مستخدموها زادت قيمتها وانتشرت وكثر تداولها .
لقد أدرك الكثير من دول العالم، ومنظماته، وهيئاته الأممية؛ قيمة ومحورية لغة الأم، ومدى ارتباطها بتحقيق الأهداف التربوية الكبرى لأي مجتمع، وما كان ذلك وليد الصدفة بل جاء نتاج تجارب،ودراسات، تناولت الموضوع عن كثب؛ حتى تجلت للجميع قيمة لغة الأم في كونها تشكل حافزا أساسيا على الإبداع، ومعينا مباشرا على جودة اكتساب العلوم والمعارف، ولذلك أدرجت الدول الرائدة فيمجال التنمية التركيز على لغاتها الأم، لخلق فضاء إبداعي أكثر اطمئنانا إلى جودة المخرجات.
ولقد حسمت التقارير والدراسات الأممية الأمر حول أهمية لغة الأم في التدريس، وفي التعامل، والتداول،وكان من ذلك ما أوصت به اليونسكو اثناء تخليدها لليوم العالمي للغة الأم في 21 فبراير 2016 حيث قضت؛ تسليما، بضرورة التدريس بلغة الأم، وعزت في تقاريرها حيال الموضوع؛ الأفضلية الناتجة في دول الريادة إلى تدريسها لمناهجها التعليمية بلغاتها الأم.
إننا إذ نقف اليوم على القرار الريادي، والمنصف، والشجاع، الذي أرسل به وزير الاقتصاد والمالية؛تعميما، إداريا، مُضيئا، ومُلزما، بقوة القانون، وما كان له أن يتجه إلى هذا الاتجاه لولا إدراكه العميق،ويقينه التام بمطابقة هذا القصد لإرادة فخامة رئيس الجمهورية التي تنصب حول إعزاز وتقديس اللغة العربية، وهو في ذلك أيضا يتكئ على ركن شرعي وقانوني متين، فالدستور الموريتاني ينص على أناللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وبذلك يجب أن تكون هي لغة العمل، والتعلم، وتداول الوثائق، وكونها لغة القرآن التي تشكل وعاء حاضنا قيضه الله جل وعلا لحفظ ألفاظه وفهم معانيه، فهي بذلك تلتحف بستار سميك من الطهارة، والحرمة، والقداسة، ومن ناحية مؤهلاتها الذاتية، مقارنة باللغات الأخرى، فهي اللغة المُدرجة ضمن ست لغات أممية رسمية، وهي أشملهم ثراء، وأكثرهم جذورا، فجذور اللغة العربية المتفق عليها 16 ألف جذر، وبعضهم رفعها إلى أكثر من ذلك بكثير، أما مفرداتها دون تكرار فتصل 12 مليون كلمة، وتصنف الأولى عالميا من حيث دقة المعاني، هذا مقارنة باللغة الفرنسية مثلا التي لا تتجاوز مفرداتها 150 ألف،وجذورها 2500 تقريبا، والإنكليزية اللغة الأكثر انتشارا عالميا مفرداتها 600 ألف، وجذورها تقدر 3 آلاف.
من هنا تتضح أسرار اللغة العربية العجيبة، ومؤهلاها الفريدة، وخصوصياتها الفذة، ودررها الثمينة.